المزية الأخرى: أنه شمل مراتب الدين الثلاث كلها، وأما ما قبله فإنه إما أن يأتي بمرتبة من مراتب الدين وإن كانت كاملة، وإما أن يأتي ببعض منها، مثال ذلك: حديث ابن عمر : ( بني الإسلام على خمس )، فقد ذكر أركان الإسلام الخمسة فقط، وحديث: ( قل آمنت بالله ثم استقم ) وهذا مجمل، وذلك مفصل، والمفصل يقدم على المجمل.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة )، ولم يذكر الصيام، ولا الحج، فالإسلام نفسه لم يذكره هنا كاملاً، ولم يذكر الإيمان والإحسان، وإنما فيه: كيف يمكن للإنسان أن يعصم دمه وماله، وأما هنا فالكلام هو عن حقيقة الدين في ذاته، فالرجل قد يعصم دمه وماله بأمر لكن قد لا يكون هذا الأمر قد اكتمل في حقيقته عنده، فهذا شيء، وهذا شيء آخر.
ومن الأحاديث التي تذكر بعض الأركان حديث: ( الإيمان بضع وستون شعبة )، وهو حديث عظيم، وهو من أعظم الأحاديث في الإيمان، لكنه ذكر شعب الإيمان ولم يذكر مرتبة الإسلام، ولا مرتبة الإحسان، فكل حديث له مزية لكن حديث جبريل أفضل.
ومثل حديث معاذ لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، فقال له: ( فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، وإذا فعلوها فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بهذا فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس )، ولم يأت ببقية المراتب، وبعض الأحاديث تذكر ركناً واحداً فقط مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( من لقيته خلف هذا الجدار يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ فبشره بالجنة )، وفي الرواية الأخرى: ( من قال: لا إله إلا الله يصدق لسانه قلبه، ويصدق قلبه لسانه؛ دخل الجنة )، أو (هو أسعد الناس بالشفاعة)، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فيأتي بركن واحد من أركان الإيمان، ولا يعني هذا أنه يترك بقية الأركان، فهي تدخل فيه، فالمهم أنها لم تفصل كما فصل هذا الحديث.
وكما في حديث: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء )، فذكر أهمية الإحسان ولم يذكر معه البقية، فبهذا يتضح فضل ومزية هذا الحديث: من ناحية فضله، وشموله لجميع مراتب الدين الثلاث.